فصل: فصل في الشركة وأقسامها وأحكامها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الشركة وأقسامها وأحكامها:

وهي بكسر الشين وفتحها مع سكون الراء فيهما وبفتح الشين وكسر الراء والأول أفصحها، وعرفها ابن عرفة بتعريفين أحدهما عام والآخر خاص فقال: الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكاً فقط، والأخصية بيع مالك بعض ماله ببعض كل الآخر موجب صحة تصرفهما في الجميع فيدخل في الأول شركة الإرث والغنيمة لا شركة التجر، وهما في الثانية على العكس وشركة الأبدان والحرث باعتبار العمل في الثانية وفي عوضه في الأولى. اهـ. فأخرج بقوله: متمول ما ليس كذلك كثبوت النسب بين كإخوة، وقوله: (ملكاً) أخرج به ملك الانتفاع كما إذا كانا ينتفعان بحبس المدارس فإنه يصدق عليه تقرر متمول إلخ. لكنه ليس بملك على أنه لا يدخل ملك الانتفاع حتى يحتاج إلى إخراجه لأن ذكر المالكين يخرجه، واحترز بقوله: فقط من الشركة الأخصية فإن فيها زيادة التصرف، وهذه لا تصرف فيها، وقوله: بعض ماله إلخ. أخرج به ماذا باع الكل بالكل أو البعض بالكل فإنه ليس بشركة وقوله: صحة مفعول باسم الفاعل قبله، وهذا القيد خاص بشركة التجر، واحترز به من شركة غير التجر كما إذا خلطا طعاماً للأكل في الرفقة فإن ذلك لا يوجب التصرف المطلق للجميع، وضمير تصرفهما عائد على المالكين، وذلك يدل على أن كل واحد وكيل لصاحبه في تصرفه في ملكه، فشركة الإرث والغنيمة يدخلان في الأول دون الثاني، وشركة التجر تدخل في الثاني دون الأول وهما معنى قوله على العكس، وقوله: وشركة الأبدان لأن شركة الأبدان وما شابهها يصدق عليها بيع مالك كل إلخ. لأن كل واحد باع بعض منافعه ببعض منافع الآخر مع كمال التصرف، وأما عوض ذلك فيدخل تحت أعمها وليس فيه تصرف.
تنبيه:
قال الرصاع: وفي استثنائه شركة التجر نظر لأن فائدة الأعم أن يكون صادقاً على الأخص فهي داخلة فيه وإن لا لم يكن فيه عموم. اهـ. وعليه فلو خذف قوله ملكاً فقط كان أولى والشركة تلزم بالعقد على المشهور، فالتبرع والهبة والسلف من أحدهما للآخر بعد العقد جائز، وكذا في العقد إن قصد الرفق بصاحبه ففي المتيطية، وإن تشاركا على أن أخرج أحدهما مالاً وأسلف الآخر نصفه ليعملا به، أو أخرج أحدهما مالاً والآخر أقل منه فأسلفه الأول حتى استوي ليعملا به ويكون الربح والوضيعة بينهما بحسب ذلك، فإن كان أسلفه رفقاً به وطلباً للثواب من عند الله تعالى أو صلة لقرابة منه لا لحاجة إليه ولا لقوة تبصر بالتجر ونفاذه فيه أكثر منه ولا لشرط كان بينهما، ففي ذلك عن مالك روايتان الجواز، وبه قال ابن القاسم والأخرى الكراهة وإن كان على غير ذلك لم يجز لأنه سلف جر نفعاً. اهـ. ولما نقل (ق) الروايتين قال: فمقتضاه أن مالكاً مرة قصده ومرة اتهمه، وأما فيما بينه وبين الله فذلك جائز إذا قصد الرفق به. اهـ. وعلى الجواز إذا قصد الرفق به اقتصر (ز) عند قول (خ): وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد عليه، فقول المتيطية ولا لشرط كان بينهما إلخ. لو حذفه كان أولى لأن موضوع كلامه ذلك كان على الشرط.
وذكر الناظم للشركة أربعة أقسام فقال:
شَرِكَةٌ في مالٍ أَوْ في عَمَلِ ** أَوْ فيهما تَجُوزُ لا لأَجَلِ

(شركة في مال) وتحتها ثلاثة أقسام شركة مضاربة وهي القراض مأخوذة من الضرب في الأرض، وستأتي في الفصل بعد هذا، وشركة مفاوضة وهي أن يطلق كل منهما التصرف لصاحبه في المال الذي أخرجاه غيبة وحضوراً وبيعاً وشراء وضماناً وتوكيلاً وكفالة وقراضاً، فما فعل أحدهما من ذلك لزم صاحبه إذا كان عائداً على شركتهما، ولا يكونان شريكين إلا فيما يعقدان عليه الشركة من أموالهما دون ما ينفرد به كل واحد منهما من ماله وسواء اشتركا في كل ما يملكانه أو في بعض أموالهما وتكون يد كل منهما كيد صاحبه وتصرفه كتصرفه ما لم يتبرع بشيء قاله في الجواهر. وسواء تفاوضا في جميع أنواع المتاجر أو في نوع واحد منها كرقيق يتفاوضان في التجارة فيه فقط، وسواء أيضاً عين كل منهما لصاحبه نوعاً أو شيئاً يعمل فيه أم لا، ولكل منهما أن يبيع بالدين ويشتري فيه ويلزم ذلك صاحبه (خ): ثم إن طلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء من المال غير مال الشركة يعمل فيه لنفسه، ولكل منهما أن يتبرع إن استلف أو خف ويبضع ويقارض ويقبل ويؤدي ويولي ويقبل المعيب وإن أبى الآخر، ويقر بدين لمن لا يتهم عليه وبيعه بدين لا الشراء به إلخ. لكن ما ذكره من عدم الشراء بالدين خلاف المذهب كما مر، أما إن لم يطلق كل منهما التصرف للآخر بل شرطا أن لا يتصرف واحد منهما إلا بحضرة صاحبه وموافقته فهي شركة العنان لأن كل منهما أخذ بعنان صاحبه أي بناصيته وهي جائزة (خ): وإن شرطا نفي الاستبداد فعنان إلخ. وعليه فلا يمضي فعل أحدهما في شيء مما مر أو غيره إلاَّ بموافقة صاحبه، وهذا هو القسم الثالث من أقسام شركة المال. قال في النهاية: ولا يكون الرجل شريكاً للرجل إلا إذا شاركه في رقاب الأموال على الإشاعة، وأما إن لم يشاركه في رقاب الأموال فليس بشريك وإنما هو خليط. اهـ.
تنبيه:
إذا أقام أحدهما بينة أنه شريكه فيما بأيديهما ولم تزد، فإن لم يكن هناك عرف يصرفهما للمفاوضة أو العنان فالحق أنه لا يتصرف واحد منهما إلا بعد مراجعة صاحبه واتفاقهما على تخصيص أو تعميم لأن الشركة توكيل، وإذا قال: وكلتك فقط فالمشهور عدم اعتبارها حتى يخصص أو يعمم، وانظر عدم صحة هذه الشهادة عند قول الناظم:
وغالب الظن به الشهادة إلخ. وحاصله أن المسائل ثلاث: تارة تشهد البينة بأنهما متفاوضان وقد تقدم الكلام في المحل المذكور على صحة هذه الشهادة وعدم صحتها. وعلى صحتها فالشركة عامة في جميع ما بأيديهما إلا ما قامت بينة بموجب الاختصاص به، وتارة تشهد بأنهما شريكان فيما بأيديهما فهي كالأولى، وتارة تشهد بأنهما شريكان ولم تزد، وهذه على تقدير صحتها وبيان مستند علمها فيها لا تعم جميع ما بأيديهما لأن ذلك يقع على بعض المال وعلى جميعه قاله اللخمي. وحينئذ فإذا أنكر أحدهما هذه الشهادة الثالثة جرى على ما تقدم في قوله: ومن لطالب بحق شهدا إلخ. وانظر شرحنا للشامل عند قوله: ولو شهدت بينة بمفاوضة شمل ما بأيديهما إلخ.
تتمة:
قال في المتيطية: إن تساويا في المال والعمل على أن يكون لأحدهما فضل من الربح لم يجز، وكذلك إن تساويا فيه أو تفاضلا على أن يكون العمل على أحدهما فلا يجوز ويقسمان الربح والوضيعة على قدر أموالهما ويرجع العامل على الآخر بأجر عمله في حظه وإن تفاضلا في المال ليكون العمل بينهما على السواء لم يجز ويقتسمان المال على ما ذكرنا، وللقليل المال الرجوع على الآخر بفضل عمله ولا يضم للآخر نصف ما فضله به وليس بمسلف لأن ربحه لربه، وإن خسر المال كله وركبهما دين فذلك عليهما أيضاً بقدر أموالهما إلا على ما شرطاه من الشرط الفاسد، وإن تساويا في المال وجعل أحدهما دابة ليعمل الآخر عليها في جميع المال أو ليعملا معاً فلا يجوز. اهـ. وهذا كله من دخولهما على التفاوت في الشركة وهو لا يجوز في مال ولا في عمل، وستأتي علته في البيت بعده. وانظر ما يأتي عند قوله: وحيثما يشتركان في العمل إلخ. (أو) شركة (في عمل) وهي شركة الأبدان وسيأتي شرط جوازها في قول الناظم:
وحيثما يشتركان في العمل إلخ. (أو) شركة (فيهما) أي في المال والعمل معاً كأن يخرجا مالاً ويشتريا به ثياباً أو جلوداً ويفصلانها ويخيطانها نعالاً أو غفائر ونحوهما ويبيعانها مخيطة ويشتريان بذلك الثمن غيرها وهكذا وذلك كثير، ولابد حينئذ من شروط شركة الأبدان الآتية لأن هذا القسم مركب من شركة الأبدان وشركة المال. وقوله: (تجوز) خبر عن قوله شركة وسوغه تعلق الجار به وقوله: (لا لأجل) عطف على مقدر أي تجوز لغير أجل لا لأجل، وظاهره أنها إن وقعت لأجل فهي فاسدة أو يقال هي صحيحة، ولكن لا يلزمه البقاء معه إلى ذلك الأجل وهو الظاهر قال في المتيطية: والشركة لا تكون إلى أجل ولكل منهما أن ينحل عن صاحبه ويقاسمه فيما بين أيديهما من ناض وعروض متى شاء. اهـ. ونحوه قول العوفي: وإذا تفاصلا اقتسما ما صار بينهما كما لو أخرج أحدهما عيناً والآخر عرضاً، فإذا تفاصلا كان لكل واحد منهما نصف العين ونصف العرض. اهـ. وذلك كله يدل على أن المفاصلة في الشركة لا تحتاج إلى نضوض المال خلاف قول الأجهوري: لو أراد أحدهما المفاصلة وامتنع الآخر عمل بامتناعه حصل خلط أم لا للزومها بالعقد، فإذا أراد نضوضه بعد العمل فينبغي أن ينظر الحاكم كالقراض. اهـ. اللهم إلا أن يقال كما هو الظاهر ما للعوفي والمتيطي إنما هو مع تراضيهما على المفاصلة، أو مبني على أنها لا تلزم بالعقد كما هو نص المقدمات، وما للأجهوري فيما إذا تنازعا وفيما إذا قلنا تلزم بالعقد والله أعلم. فهذه ثلاثة أقسام والقسم الأول الذي هو شركة المال تحته ثلاثة أنواع كما مرّ وأشار للقسم الرابع بقوله:
وَفُسِخَتْ إنْ وَقَعَتْ عَلى الذِّمَمْ ** وَيَقْسِمَانِ الرِّبحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ

(وفسخها) أي الشركة (إن وقعت على الذمم) جمع ذمة وتقدم عند قول الناظم: والشرح للذمة وصف قاما إلخ. وشركة الذمم أن يتعاقدا على أن يشتريا بلا مال أو بمال قليل ويتفقا على أن ما اشتراه كل منهما بالدين فربحه بينهما والضمان عليهما. قال في المدونة: هي باطلة لأن كل واحد منهما يقول لصاحبه تحمل عني نصف ما اشتريت وأتحمل عنك نصف ما اشتريت، فهو ضمان بجعل إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة أو غائبة فتبايعاها بدين، فيجوز ذلك إذا كانا حاضرين لأن العقدة وقعت عليهما جميعاً، وإن ضمن أحدهما فقط عن صاحبه فذلك جائز. اهـ. وقوله: إلا أن يجتمعا إلخ. هو قول (خ) في الضمان إلا في اشتراء شيء بينهما أو بيعه كقرضهما على الأصح (و) إذا فسخت فما كان اشترياه معاً أو أحدهما (يقسمان الربح) الحاصل فيه والخسارة عليهما. وقوله: (حكم ملتزم) خبر عن قوله: وفسخها.
تنبيهات:
الأول: قال اللخمي: فإن كان البائع عالماً بهذه الشركة ولم يعلم ما عقداه كان له أن يأخذ الحاضر منهما بجميع الثمن، وإن لم يكن هو المتولي للشراء وإن كان عالماً بفسادها لم يكن له ذلك وأخذ هذا بنصف الثمن ولم يطالبه بما على صاحبه، وإن لم يكن عالماً بالشركة. وإن كان الحاضر الموسر هو المتولي كان للبائع أن يأخذه بجميع الثمن لأنه دخل على أن المبايعة منه ولم يدخل معه على أنه وكيل لغيره في النصف الآخر، وإن كان الحاضر الموسر هو الذي لم يتول الشراء أخذه بنصف الثمن لا أكثر لأن البائع لما لم يعلم بالشركة لم يدخل على حمالة هذا وكان له أن يأخذه بنصف الثمن لأنه ملك نصف سلعته.
الثاني: إذا قال رجل لآخر: اجلس في هذا الحانوت تبيع فيه وأنا أشتري المتاع بوجهي والضمان علي وعليك فإنه لا يجوز، فإن وقع فالربح لهما على ما تعاملا عليه ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به في العمل والضمان عليهما لأن الربح تابع للضمان، فإن اشترط الضمان على الجالس وحده فالربح له وعليه كراء الحانوت، وإن اشترط الضمان على ذي الحانوت فالربح له وعليه كراء الجالس قاله ابن رشد. وهذا لأنه لا يجوز فيها الدخول على التفاوت (خ): وتفسد بشرط التفاوت وإن وقع فلكل أجر عمله للآخر وعلة فسادها به الخطر والقمار بوجود الربح فيغبن صاحب الكثير وبعدمه فيغبن صاحب القليل لذهاب عمله باطلاً كذا لابن شاس. وعلله ابن رشد بأن صاحب الكثير إنما سمح بفضله رجاء البقاء معه على الشركة، وذلك لا يلزم صاحبه فكان غرراً. اهـ.
قلت: وفي كلتا العلتين شيء لأنهما دخلا على تجويز وجود الربح وعدم وجوده وعلى أن صاحبه يبقى معه أو لا يبقى فصاحب الفضل وغيره مجوز لذلك كله، وحينئذ فصاحب الفضل إن قصد الرفق بصاحبه كما هي عادة الناس جاز له ذلك كما مر في السلف، ولاسيما على ما عليه الناس من عدم تقويم الأعمال التي يعملها كل منهما. وانظر ما يأتي في البيت بعده.
الثالث: بقي على الناظم من أقسام الشركة شركة الوجوه وشركة الجبر فالأولى هي كما قال (خ): أن يبيع وجيه من التجار يرغب الناس في الشراء منه لاعتقادهم أنه لا يتجر إلا في الجيد من السلع مال خامل بجزء من ربحه وهي باطلة لأنها إجارة بمجهول وتسميتها شركة مجاز، فإن وقعت فللوجيه جعل مثله، والمشتري منه مخير على مقتضى الغش إن كانت السلعة قائمة وإن فاتت ففيها الأقل من الثمن والقيمة قاله (ز).
قلت: ولولا ما في هذه الإجارة من الغش والتدليس لأمكن أن يقال بجوازها ابتداء على ما مرّ عن ابن سراج وغيره في باب الإجارة، وأما إذا قال شخص لآخر دل على من يشتري مني سلعة كذا ولك كذا فإنه جائز لازم، قاله في العتبية ما لم يكن على وجه التحيل بين الدال وبين بائعها فيأتي الدال بالمشتري ويوهم أنه حريص على شرائها ويظهر المكايسة وهو في الباطن على خلاف ذلك لتقدم الاتفاق منه مع بائعها على ذلك، فإذا انصرف المشتري بالسلعة رجع الدال إلى البائع وأخذ منه الجعل فإن ذلك لا يجوز بإجماع بلا شك لأنه مكر وخديعة، وهذا كثير وقوعه في هذا الزمان. وأما الثانية وهي شركة الجبر فهي جائزة بشروطها المشار لها بقول (خ): وأجبر عليها أن اشترى شيئاً بسوقه إلا لكسفر أو قنية وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره إلخ. ولعل الناظم إنما تركهما لأن شركة الوجوه من قبيل الإجارة وشركة الجبر لا عقد فيها فتسميتها شركة إنما هو باعتبار المآل والله أعلم.
وَإن يَكُنْ في العَيْنِ ذَاكَ اعْتُمِدَا ** تَجُزْ إنِ الْجِنْسُ هُنَاكَ اتَّخَذَا

(وإن يكن في العين ذاك) الاشتراك فهو اسم يكن، وفي العين متعلق بقوله (اعتمدا) والجملة خبرها وفي بمعنى الباء (تجز) بالجزم جواب الشرط وحذفت واوه لالتقاء الساكنين وفاعله ضمير الشركة (إن الجنس) من الذهب أو الفضة (هناك اتحدا) بأن كانت بفضة من الجانبين أو ذهب من الجانبين متفقين صرفاً ووزناً وجودة ورداءة كما لابن عرفة، وسواء اتحدت سكتهما أم لا كهاشمية ودمشقية ومحمدية ويزيدية مع اتفاقهما فيما ذكر، فإن اختلفا في واحد من الصرف وما معه لم يجز لدخولهما على التفاوت إلا أن يكون يسيراً على المشهور، وظاهر النظم هنا وفيما يأتي أنه لا يشترط السلامة من التفاوت في الشركة حيث سلما من ربا الفضل والنساء في الطعام والعين، وهو الموافق لما تقدم في المزارعة من أنه لا يشترط السلامة من التفاوت على المعمول به، ويؤيده ما مر قريباً من أنه إذا قصد الرفق بالسلف في العقد جاز فالهبة والتفاوت في العمل كذلك، وما ذاك إلا لكون الشركة بيع من البيوع كما تقدم في حد ابن عرفة: وهو يجوز فيه الغبن، وهبة بعض الثمن أو بعض المثمن، ومفهوم الشرط في النظم أنه إذا كان الذهب من جانب والفضة من الآخر أو ذهب وفضة من كل جانب لم تجز، وهو كذلك في الأول لأنها شركة وصرف وهما لا يجتمعان كما مر صدر البيوع، وأجاز ذلك أشهب وسحنون وقال: إنما يمنع الصرف معها إذا كان خارجاً عن ذاتها لا إن كان داخلاً في ذاتها كما هنا فيجوز ابن المواز وهو غلط. وما علمت من أجازه لأنه صرف لا يبين به صاحبه لبقاء يد كل منهما فإن وقع وعملا فلكل رأس ماله ويقتسمان الربح لكل عشرة من الدنانير دينار، ولكل عشرة دراهم درهم والخسر كذلك قاله في المدونة، وأما الثاني وهو ذهب وفضة من كل جانب فلا خلاف في الجواز قاله ابن عبد السلام وغيره. والمراد أن كلاً منهما أخرج من الذهب بقدر ذهب الآخر ومن الفضة كذلك، وإلاَّ لم يجز لوجود الصرف المذكور (خ): كاشتركنا بذهبين أو ورقين اتفق صرفهما أو بهما منهما إلخ. ففي مفهوم الشرط تفصيل كما ترى.
وَبالطَّعَامِ جَازَ حَيْثُ اتَّفَقَا ** وهوَ لمالِكٍ بِذَاكَ مُتَّقَى

(وبالطعام) متعلق بقوله (جاز) أي وجاز الاشتراك بالطعام من كل جانب (حيث اتفقا) أي الطعامان جنساً وصفة وكيلاً وهو قول ابن القاسم قياساً منه على جوازها بالدنانير من الجانبين بجامع حصول المناجزة حكماً لا حساً، فكما اغتفر هذا في الدنانير من الجانبين أو الدراهم كذلك يغتفر في الطعامين كذلك، ومنعها مالك بالطعام مطلقاً وإليه أشار بقوله: (وهو) أي الاشتراك (لمالك بذاك) الطعام متفقاً جنساً وكيلاً أو مختلفاً (متقى) خبر عن الضمير، والمجروران يتعلقان به واللام بمعنى (عند) كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78) وعلة المنع عنده أنه يدخلها بيع الطعام قبل قبضه لأن كل واحد منهما باع نصف طعامه بنصف طعام صاحبه ولم يجعل قبض لبقاء يد كل واحد على ما باع، فإذا باعا لأجنبي يكون كل واحد منهما بائعاً للطعام قبل قبضه لأنه حينئذ توالى عليه عقدتا بيع لم يتخللهما قبض قاله عبد الحق. ابن يونس: وهو الأصح، وعليه درج (ح) إذ قال: لا بذهب من جانب وورق من الآخر وبطعامين ولو اتفقا، وظاهر النظم أن الأول هو المعتمد عنده لتصديره به ويرشحه جوازها حتى عند مالك بطعام من جانب وعرض أو عين من الآخر مع أن علة بيع الطعام قبل قبضه موجودة فيه قاله أبو الحسن. ومفهوم قوله: حيث اتفقا أنه إذا اختلف الطعامان جنساً أو صفة لم تجز اتفاقاً من مالك وابن القاسم وهو كذلك، وأجازها سحنون حيث اتفقا قيمة وكيلاً جرياً منه على مذهبه من جوازها بالدنانير من جانب والدراهم من الآخر.
تنبيهان:
الأول: الشركة في الأجباح ممنوعة اتفاقاً لما فيها من العسل فيدخلها التفاضل قاله الغرناطي، وكذا قسمتها لا تجوز إن كان فيها عسل وإلاَّ فتجوز، وكان ابن عرفة يقول: إن العسل الذي يكفي النحل لا عبرة به مطلقاً.
الثاني: إذا فسدت الشركة بالطعامين فرأس مال كل منهما ما بيع به طعامه إذ هو في ضمانه حتى يباع، ولو خلطاه قبل البيع جعلت رأس المال قيمة طعام كل واحد يوم خلطاه وبقدر ذلك يكون الربح والوضيعة قاله في المدونة.
وَجَازَ بالعَرْضِ إذَا مَا قُوِّما ** مِنْ جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ فاعْلَمَا

(وجاز) الاشتراك (بالعرض إذا ما) زائدة (قوما) حال كونه (من جهة) فقط ويقابله من الأخرى عين أو طعام وبقدر قيمة العرض والطعام يكون العمل والربح والخسر (أو) بالعرض من (جهتين فاعلما) ورأس مال كل ما قوم به عرضه أو طعامه يوم أحضر الاشتراك به إن صحت شركتهما، وإلا فلا تعتبر يوم الإحضار بل يوم البيع إذ كل لا زال على ملك ربه وفي ضمانه إلى يوم البيع فإذا قوم في الصحيحة أو بيع في الفاسدة عرض هذا بعشرين وعرض هذا أو طعامه بعشرة، فالشركة بينهما على الثلث والثلثين وبقدر ذلك يكون العمل والربح والخسر، وسواء دخلا على قيمة العرض في الصحيحة أو سكتا عنها فالعبرة بقيمته يوم الإحضار، ولا تفسد الشركة بالسكوت عنها قاله في المعونة فإن لم يعرف ما بيع به في الفاسدة فتعتبر قيمته يوم البيع قاله ابن يونس. وقال في المتيطية: فإن تشاركا على التساوي وقبل التقويم فلما قوم سلعهما تفاضلت قيمتها فإن لم يعملا أخذ كل واحد سلعته وانفسخت الشركة وإن عملا بعد فوات سلعهما فرأس مال كل ما بيع به سلعه والربح والوضيعة بحسب ذلك، ويرجع القليل منهما على الآخر بفضل عمله ولا ضمان عليه في فضل سلع صاحبه لأنه لم يقع بينهما في ذلك الفضل بيع أي شركة. اهـ.
كَذَا طَعَامُ جِهَةٍ لا يَمْتَنعْ ** وَعَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ لدَى الأُخْرَى وُضِعْ

(كذا طعام جهة لا يمتنع وعين أو عرض لدى الأخرى) يتعلق بقوله: (وضع) أي لا يمتنع وضع طعام من جهة ووضع عين أو عرض من الأخرى ولم يقل وضعا بألف التثنية لأن العطف بأو وهو لا تجب فيه المطابقة. وهذا البيت تكرار مع قوله: وجاز بالعرض إذا ما قوما من جهة الخ (خ): عاطفاً على الجواز وبعين وعرض وبعرضين مطلقاً وكل بالقيمة يوم أحضر لا فات إلخ.
وَالمَالُ خَلْطُهُ وَوَضْعُهُ بِيَدْ ** وَاحِدٍ أو في الاشْتِرَاكِ مُعْتَمَدْ

(والمال) الذي أخرجه كل منهما (خلطه) مبتدأ ثان (ووضعه) عطف عليه، والواو بمعنى (أو) وخبره معتمد آخر البيت والمعنى: أن خلط المالين حساً بحيث لا يتميز أحد المالين من الآخر، أو حكماً بأن يوضعا معاً (بيد واحد) منهما أو واحد غيرهما (أو) وضعا معاً أيضاً (في) محل (الاشتراك) بينهما بأن يجعلاهما في بيت واحد، وقفلا عليه بقفلين أخذ أحدهما مفتاح أحد القفلين وأخذ الآخر مفتاح الآخر، وأحرى إذا كان قفلاً واحداً وبيد كل منهما مفتاحه (معتمد) أي شرط في حصول الضمان منهما، فإذا خلطا حساً أو حكماً فالتالف منهما وإن لم يحصل خلط لا حساً ولا حكماً فالتالف من ربه وما اشترى بالسالم فبينهما على رب التالف نصف ثمنه، فالخلط المذكور شرط في الضمان منهما كما قررنا لا في الصحيحة لأنها صحيحة مع توفر شروطها ولو لم يخلطا ولا في اللزوم لأنها لازمة بالقول (خ): ولزمت بما يدل عرفاً من قول كاشتركنا أو بما يقوم مقامه من فعل كخلط المالين والعمل بهما، ثم ذكر ما هو شرط في الضمان فقال: إن خلطا ولو حكماً وإلا فالتالف من ربه وما ابتيع بغيره فبينهما إلخ. وتقدم قريباً أنها وإن كانت لازمة بالقول فكل منهما له بعد العمل الانحلال لا قبله فليس له ذلك إلا بتراضيهما وإلا لم تكن فائدة للزومها بالقول.
تنبيهات:
الأول: علم من كون الشركة تنعقد بما يدل عرفاً أن العم أو الأخ إذا كان كل منهما مع أولاد أخيه أو مع إخوته على مائدة واحدة يخدمون ويأكلون فهم كالمتفاوضين فما اشتراه أحدهم من أصول أو غيرها باسم نفسه يدخل معه غيره، ويشاركه فيه على قدر عمله إن كان المال المشترى به نشأ عن أيديهم، أو على قدر نصيبه في المال إن كان المشترى به مالاً موروثاً ونحو ذلك. وهذا إذا كانوا كلهم رشداء أو فيهم صغير يميز معنى الشركة ووقع منه ما يدل على الرضا بها، إلا أنه يخير بعد رشده في إمضاء الشركة أو أخذ حظه من المال الواقع به الشراء، وأما من لم يميز أصلاً فإنه لا حق له في المشتري وإنما له واجبه من الثمن المشترى به إلا أن يكون المشتري أدخله معه في شرائه، فإنه يخير بعد رشده في قبول ذلك أو أخذ واجبه من المال، وذلك لأن الشركة عقد لا يصح إلا من أهل التوكيل والتوكل، والذي لم يميز لم يقع منه عقد ولا ما يدل عليه قاله سيدي أحمد بن عبد الوهاب حسبما نقله العلمي. ووجهه ظاهر خلاف ما في المعيار عن التازغدري آخر الوصايا منه من أن القول قوله في شراء الأملاك لنفسه بماله الخاص به، ونحوه في نوازل الدعاوى منه، ثم ما تقدم من أن الشركة تكون فيما نشأ عن أيديهم على قدر أعمالهم هو الصواب خلافاً لمن أطلق في ذلك، إذ ليس القوي كالضعيف ولا الصانع كغيره ولا خدمة المرأة كالذكر ولا من يرد أوقية كمن يرد ثمنها قاله سيدي أحمد الزواوي ونقله شارح العمل عند قوله: وخدمة النساء في البوادي إلخ. وهذا في المال الحاصل بمجرد تكسبهم وعمل أبدانهم، وأما إن كان أصل المال الذي بين أيديهم مملوكاً لأحدهم فقط ولكنه نما بخدمتهم وقيامهم عليه، فإن النماء لمالك الأصل وعليه أجرة المثل لمن عداه. اهـ. وكذا الولد يقوم مع أبيه سنين بعد بلوغه إلى أن زوَّجه، وكان في هذه المدة يتولى الحرث والحصاد وخدمة الأملاك بنفسه، ثم افترق منه وأراد مقاسمته في الأملاك فليس له شيء فيها، وإنما له أجر عمله ويحاسبه أبوه بنفقته وكسوته وبما زوَّجه قاله الجلالي يعني: وكذا يحاسب غير المتزوج من الأخوة المتزوج منهم بنفقة زوجته وصداقها كما قال (خ): وإلا حسبا كانفرادهما به أي بالإنفاق والزوجة.
الثاني: إذا كان الابن يقوم بأمور أبيه ثم مات الأب فاستظهر الابن برسوم أملاك اشتراها باسم نفسه إن أثبت أنه كان له مال، وأن أباه كان سلم له فيها فهي له، وإن أثبت أنه كان له مال فقط فهي له إن حلف، وإن لم يثبت واحد منهما فالجميع ميراث قاله سيدي يحيى وسيدي راشد.
قلت: وما ذاك إلا لكون الابن لما كان يقوم بأمور أبيه فهو كالوكيل عنه بالعادة فلذلك إذا لم يكن للابن مال كان الجميع ميراثاً.
الثالث: سئل سيدي إبراهيم بن هلال عن أخوين متفاوضين وكان أحدهما مشارطاً على الإمامة ثم أراد قسمة مالهما فأراد المشارط أن يستبد بجميع ما استفاده من الشرط؟ فأجاب: مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها في المفاوض يؤاجر نفسه في شيء أنه يختص به ولا يدخل معه شريكه، وقال أشهب وأصبغ وابن حبيب: لا يستبد به بل يكون بينهما، ورأوا أن كل واحد منهما ملك منافع صاحبه بالتفاوض، ولم يرد ذلك ابن القاسم ولا محيد عن قوله ومذهبه، وسيأتي قول الناظم: ومن له تحرف إن عمله إلخ. قال: وإذا تقرر ذلك فهل لأخيه أجر عمله في غير ذلك مما عمله وفضله به من العمل أم لا؟ صرح ابن القاسم في الموازية أنه ليس له عليه ذلك. وقال أصبغ: إذا حلف أنه لم يتطوع بالعمل رجع عليه بقدر ما باشر وعمل مفاوضة حين شغل نفسه بما آجرها فيه. قال بعض القرويين: لأنه تطوع له بالعمل ظناً منه أنه يعمل في المال مثل ما عمل، فإذا شغل منافعه فيما انتفع به رجع عليه صاحبه بما عمله عنه. قال هذا القروي المذكور: وما قاله ابن القاسم إنما هو فيما إذا قصد أن لا يرجع بما عمل وإلاَّ وجب له الرجوع. اهـ. بلفظه. وقال الجلالي: إذا غاب أحد الأخوين للقراءة أو الحج فقدم وقد وجد أخاه قد زاد أملاكاً على ما ترك عنده، فإنه يشاركه في جميعها حيث غاب وليس لهما من المال إلا ما هما مشتركان فيه وليس لأحدهما مال يختص به. اهـ.
قلت: ولا يخفى أنه يرجع الحاضر عليه بأجرة عمله لما تقدم في الكلية المذكورة عند قوله في الإجارة: والقول للعامل حيث يختلف إلخ. ولا يخرج عن ذلك إلا ما علم أنه للصلة حسبما تقدم آخر بيع الفضولي.
وَحَيْثُما يَشْتَرِكانِ في الْعَمَلْ ** فَشَرْطُهُ اتَّحَادُ شُغْلٍ وَمَحَلْ

(وحيثما يشتركان في العمل) فقط (فشرطه) أي الاشتراك المذكور (اتحاد شغل) أو تلازمه، فالأول كخياطين أو حدادين أو نجارين أو صيادين، والثاني ككون أحدهما ينسج والآخر يدور أو يحول، أو أحدهما يغوص لطلب اللؤلؤ والآخر يمسك ويقذف عليه، فإن لم يتحد شغلهما ولا تلازم كخياط ونجار لم يجز لأنه قد تكسد صنعة أحدهما فيأخذ مال صاحبه بغير حق. (و) شرطه أيضاً اتحاد (محل) أو تقاربه أيضاً، فلو كان أحدهما يخيط في محل والآخر يخيط في محل آخر، فإن تقاربت أسواقهما ومنافعهما أو كانت يد أحدهما تجول في المحلين لقربهما جازت شركتهما، وإلا امتنعت لأنه قد ينفق أحد المكانين دون الآخر فيأخذ غيره ماله بغير حق وظاهره أنه لا يشترط التساوي في العمل بل يجوز، ولو كانت قيمة عمل أحدهما الثلثين وقيمة عمل الآخر الثلث ودخلا على أن ما يحصل بينهما نصفان، وهو كذلك على قول من لا يشترط السلامة من التفاوت في الشركة كما مرَّ عند قوله: وإن يكن في العين ذاك اعتمدا إلخ. وعليه تخرج شركة العدول إذ كثيراً ما يكتب أحدهما العقد ولا يعمل فيه غيره إلا الشهادة لعدم معرفته بكيفية تركيب فصول الوثيقة، وكذا شركة الطلبة في طلب الأسعار يذهب كل واحد منهما لأندر أو طلب المعروف من الدور، وانظر نوازل الشركة من نوازلنا فإن أبا زيد الفاسي قال: كل ما جرى في المزارعة يجري في الشركة، وأما على المشهور من اشتراط عدم التفاوت فلا يجوز إلا إذا كان كل واحد يأخذ مما يحصل بقدر قيمة عمله، وعليه درج (خ) حيث قال: وجازت بالعمل إن اتحدا أو تلازما وتساويا فيه أو تقاربا وحصل التعاون وإن بمكانين إلخ. وقال قبل ذلك: وتفسد بشرط التفاوت وإن وقع فلكل أجر عمله للآخر إلخ. وقولي في العمل فقط إشارة إلى أنه يشترط اتحاد الشغل والمكان إذا اشتركا في صنعة أيديهما من غير احتياج لمال يخرجانه، أو كانا محتاجين لذلك. والمقصود عندهما الصنعة لا ما يخرجانه من المال، وأما لو كانت صنعة أيديهما تبعاً والمقصود هو التجر كما لو أخرجا مالاً متساوياً ليعمل به هذا في صنعة كذا وهذا في صنعة كذا، فإن ذلك جائز من غير اشتراط اتحاد شغل ولا محل.
تنبيه:
زاد الغرناطي اتحاد صنعتيهما في الجودة فقال: وشركة الأبدان تجوز بخمسة شروط، أن تكون الصنعة واحدة وحركتهما في السرعة والإبطاء واحدة وكذلك الجودة والدناءة واحدة أو متقاربة ويعملان في موضع واحد والآلة بينهما على السواء. اهـ. اللخمي: وإن تباينت صنعتاهما بالجودة والدناءة وكان أكثر ما يصنعانه ويستعملان فيه الأدنى جازت الشركة لأن الأعلى يعمل الأدنى ولا حكم للقليل، وإن كان أكثر ما يدخل إليهما ما يعمله الأعلى أو كان كل واحد منهما كثيراً لم تجز للغرر والتفاضل. اهـ.
قلت: وهذه الشروط قلما تجدها متوفرة في هذا الزمان، وغالب عقود شركة الناس اليوم الفساد لأنهم لا يقومون عملاً ولا غيره، اللهم إلا أن يقال: يغتفر لهم الدخول على التفاوت على نحو ما تقدم في المزارعة كما تقدمت الإشارة إليه.
وَحَاضِرٌ يَأْخُذُ فَائِداً عَرَض ** في غَيْبَةٍ فَوْقَ الثَّلاَثِ أَوْ مَرَضْ

(وحاضر يأخذ فائداً عرض) وحصل له ذلك الفائد (في غيبة) صاحب غيبة (فوق ثلاث أو مرض) فوق ثلاث أيضاً كالعشرة أيام وما قاربها، ومفهوم فوق ثلاث أن الثلاثة وما قاربها تلغى ولا يحاسب الحاضر أو الصحيح الغائب أو المريض بها، فالقريب اليومان والثلاثة والبعيد العشرة وما بينهما من الوسائط يرد ما قارب القريب إلى القرب وما قارب البعيد إلى البعد قال أبو الحسن. وظاهر النظم أن الحاضر والصحيح يأخذان أجرة ما انفردا بعمله في الغيبة والمرض البعيدين ولا يرجع عليهما الغائب والمريض بشيء، وهو كذلك على ما لابن يونس وابن سلمون وهو ظاهر (خ) حيث قال: وأتى مرض كيومين أو غيبتهما لا إن كثر إلخ. ولكن الراجح أن للغائب والمريض أن يرجعا على الحاضر، والصحيح بحصتهما في الربح الزائد على أجر عمل مثله كما لو قبضا ثوباً مثلاً للخياطة بعشرة وغاب أحدهما أو مرض كثيراً فخاطه الآخر، فإذ قيل: أجر مثل هذه الخياطة أربعة أخذها وتبقى ستة يرجع عليه المريض أو الغائب بحصته منها، وهو ثلاثة حيث كانت الشركة على النصف فإن لم يفضل شيء عن أجر مثله فلا يرجع عليه بشيء، وهذا إذا قبضا الثوب معاً ثم مرض أحدهما أو غاب كثيراً ومثله إذا قبله أحدهما مع وجود الآخر أو في مرضه أو غيبته القريبين أما ما قبله أحدهما بعد طول غيبة الآخر أو مرضه فهي له ولا يرجع عليه بشيء لأن الضمان منه وحده كما في ابن يونس: فإن شرطا إلغاء الطول فسدت. والحاصل أن شريكي الصنعة إذا غاب أحدهما أو مرض يومين أو ثلاثة وما قاربها على ما مر، فالفائد بينهما ولا شيء للحاضر أو الصحيح على الغائب والمريض، وسواء مرض بعد أخذهما العمل أو أخذه الصحيح بعد مرضه، وأما إن قبضه الحاضر الصحيح بعد طول مرضه أو غيبته فهو للعامل مطلقاً لأنه لا ضمان بينهما، وأما إن غاب أو مرض بعد أخذ المال أكثر من ثلاثة وما قاربها فالفائد بينهما ويرجع الحاضر الصحيح على شريكه بأجر مثله كما مرّ، وهل تلغى اليومان من العشرة أو لا؟ الراجح عدم الإلغاء، وهذا في الصحيحة، وأما في الفاسدة باشتراط إلغاء الطول فمن عمل شيئاً يختص به وإن كان الفساد بغير ما ذكر فالرجوع على من لم يعمل مطلقاً والفائد بينهما، وكذلك في شركة الأموال فالرجوع بالطويل وغيره صح من شرح ابن رحال. وهذا كله في الشركاء في العمل من صبغ وخياطة ونحوهما، وأما الأجراء فليس حكمهم كذلك، فإذا استأجر أجيرين لحفر بئر مثلاً فمرض أحدهما وعمل الآخر جميع العمل فللآخر نصيبه وليس للعامل شيء عليه لأنه متطوع بالعمل عنه قاله في المدونة. وهذا في غير المستأجرين مياومة وإلاَّ فلا يشارك غائب أو مريض غيره مطلقاً لأنه بمضي اليوم انقطعت إجارة المريض ونحوه.
وَمَنْ له تَحَرُّفٌ إنْ عَمِلَه ** في غَيْرِ وَقْتٍ تَجْرِهِ الفَائِدُ لَهْ

(ومن له) من الشريكين مفاوضة (تحرف) أي صنعة (إن عمله) أي التحرف (في غير وقت تجره) كليل أو زمان لا يشتغلان فيه بالتجارة ف (الفائد) أي ما حصله من الأجرة (له) يستبد به (خ): واستبد آخذ قراض أو متجر بوديعة بالربح والخسر إلخ. يعني إذا كان لا يشغله عن العمل في الشركة، ومفهوم في غير وقت تجر أنه إذا عمله في وقت تجر فإن صاحبه يرجع عليه بأجرة ما عمله عنه كما مرَّ في التنبيه الثالث، وانظر كلام اللخمي عند قول الشامل: واختف آخذ قراض إلخ.
فرع:
قال في الذخيرة: إذا كانا شريكين في حيوان مثلاً بميراث أو غيره لا يجوز لأحدهما أن يتصرف إلا بإذن شريكه فلو باع نصيبه وسلم الجميع للمشتري بغير إذن شريكه كان ضامن على مقتضى القواعد، وبه أفتى شيوخنا من الشافعية لأن أحسن أحواله أن يكون كالمودع في الأمانة، وهذا إذا وضع يد الأجنبي يضمن لتعديه. فإن قيل: يلزم عدم صحة البيع لعدم قدرته على التسليم. قلنا: إن كان شريكه حاضراً سلم المبيع له وتقع الخصومة بينه وبين المشتري، أو غائباً رفع أمره إلى الحاكم يأذن له في البيع ووضع مال الغائب تحت يده. اهـ.
قلت: قوله: وتقع الخصومة إلخ. يعني في ذلك الحيوان عند من يكون ومن يقوم به، وليس المراد أن الذي لم يبع ينكر نصيب البائع حتى يكون من بيع ما فيه خصومة وهو ممنوع على المشهور كما فهمه الشيخ سالم، وفي معاوضات المعيار: من باع نصف فرسه لرجل وسافر المشتري عليها فعطبت فهو ضامن لنصف شريكه إلا أن يسافر عليها بإذنه أو جرت العادة بينهما أن يسافر مثل ذلك السفر فلا ضمان. اهـ.